هوازن العتيبيه
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
اللهم لك الحمدُ على نعمك الكثيرة، وعلى أفضالك الوفيرة، وعلى جزيل عطاءك، وعظيم قدرتك، وجلال سلطانك، ثم أصلي على الهادي الأمين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد.
فهذه خاطرة عصفت فكري، فلُكتُها لئلا أكونَ ممنْ حُرمَها، فإنَّ النفسَ المغشيَّ عليها لا تكادُ تذكرُ القبرَ وأحواله، والحشرَ وأهواله، إلا صرفت عنها الأبصار، وعمّتْ عنها الأنظار، لئلا يصيبَ حياتَها المرفّهة بالأكدار، وتنغضَ المعيشة بالنكد والأقذار.
والنفسُ المطمئة الراضيةُ المرضية تفرحُ بمجيء مثل هذه الخواطر؛ لئلا تهوي بها إلى المخاطر، فتعجزُ الأقلامُ عن وصفها، ويعظُم أهل الشعر عن رجزها، فالنارُ يُنبئُ عنها الدخان، والخبرُ يغني عنهُ العيان.
تذكرت فراقَ الأحباب والأصحاب
ممن هم جزءٌ لا يتجزأ من حياتي، فالحياةُ الدنيا رحلةٌ طويلة لا يمكن أن تُعبر إلا برفقةٍ صالحة، لأنهم الركن الركين، والحصنُ المتين، إلا أنني وهم يومَ القيامة لا يغني أحدٌ عن أحد،
تذكرت الموت وأحواله , ومصائبه وأهواله .فذكرتُ إسرافي مع نفسي، وخطاياي وبُعدي عن ربي, قلت أتراني أكون من أهل الجنة أم النار؟
تذكرت أعمالي فوجدت نفسي كثرت خطاياها, وتعددت بلوها
وكأنّ الدنيا غرتني, وعن الهدى أبعدتني, قلت يا رب هل أنت راضٍ عنّي..
ثم فكرت وقلت : الموت ليس بعيدا عني ولو كنت في عزّ شبابي فالموت لا يعرف كبيرا ولا صغيرا. ولا قويّا ولا ضعيفا
الأيّام تمر بي ماذا ستكون نهاية عمري ,ما هو آخر دربي, ما هو آخر مطافي,
هو الموت ليس منه ملاذ ولا مهرب
إذا أتاني ملك الموت فعلى أيّ حال سأكون ؟ تذكرت كيف سيأخذ روحي, فكانت أمنيتي أن يأخذها وأنا ساجدة لله عز وجل على حال يرضيه جل جلاله..
خور الموت أتى قال لي هيا فقم
قلت إني واهن منذ شهر لم أنم
قال ما مر يسير ما سيأتي فيه غم
أنت مردود لحال فيه يشتد الألم
ثم ذرفت دموعي وقلت لماذا لا نستعد لهذه اللحظة لماذا لا نفرح بها لنذهب إلى الجنة لنخرج من هموم الدنيا وما كان فيها إلى الفردوس الأعلى..قلت إني واهن منذ شهر لم أنم
قال ما مر يسير ما سيأتي فيه غم
أنت مردود لحال فيه يشتد الألم
ثم ماذا بعد الموت . إلى الكفن الأبيض سيضعونني ,وإلى القبر سيجرونني, وسيبكي علي أهلي وأصحابي وخلاني
ولكن لن يطول بكائهم فسينسوني وإلى أحبابهم يعدوا ولا يتذكروني
وحالي في القبر حال ,لا أنيس أستأنس به ولا حبيب يخفف عني غربتي ولوعتي,
قال مالك بن دينار رحمه الله : أتيت المقابر يوما لأنظر في الموت وأعتبر وأتفكر فيها وأنزجر فأنشدت أقول:
أتيت المقابر ناديتها فأين المعظم والمفتخر
وأين المدل بسلطانه وأين العزيز إذا ما قدر ؟؟؟
وأين الملبي إذا ما دعا وأين المزكي إذا حضر؟؟؟
تفانوا جميعاً فلا مخبر وماتوا جميعاً وهذا الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى وتمحوا محاسن تلك الصدور
لقد قلد القوم أعمالهم فأما نعيم وإما سقر
وصاروا إلى ملك قادر عزيز مطاع إذا ما أمر
فيا سائلي عن أناس مضوا أمالك فيمن مضى معتبر
ثم إلى حساب وما أدراكم ما الحسابتروح وتغدو بنات الثرى وتمحوا محاسن تلك الصدور
لقد قلد القوم أعمالهم فأما نعيم وإما سقر
وصاروا إلى ملك قادر عزيز مطاع إذا ما أمر
فيا سائلي عن أناس مضوا أمالك فيمن مضى معتبر
سأقف أمام ربي وسيسألني عن تقصيري
يا ربّ يا ربّ ثبتني على السؤالي ** واغفر لي جميع زلاتي
وأنعم علي بجنتك .وابعد عني جحيمكما أصعب الفراق.
ما أصعب أن تفقد غالي كان له مكان في القلب الفراق وما أدراكم ما الفراق كم بكى منه الناس لم يرحم احدا
فكرت بكل أهلي وأحبابي واحدا تلوَ الآخر تخيلت أن يفارقوا عيني وقلبي .وإلى الموت يسبقوني..
فشدت بكائي.. وزاد أنيني وعذابي.. ماذا أفعل إذا حلّ الفراق؟
فدعوت الله أن يحفظهم لي ويطيل أعمار هم بالرضاءِ. وأن ينعم عليهم بأعمال صالحة كلهم بلا استثناءِ
في كل يومٍ في الفئاد مرارتٌ لفراق من يمضي من الأحباب
ولنفس تجرع بعدهم كأس الأسى مرٌ مذاقهُ كطعمِ العلقمِ
ولقلب يبكيهم دماً ولعينُ لا تنفك أدمعها كفيض سحابِ
وشكرت ربي أن انعم علي بنعمة الإسلام , وبإتباع رسول الأنامولنفس تجرع بعدهم كأس الأسى مرٌ مذاقهُ كطعمِ العلقمِ
ولقلب يبكيهم دماً ولعينُ لا تنفك أدمعها كفيض سحابِ
الحمد لك يا خالقي أنعمت علي بحفظِ القرآن وسنة نبيك عليه الصلاة والسلامِ
يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك واعف عني جميع زلاتي
أحبتي في الله. لنقف وقفة مع أنفسنا
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
1_لماذا نتجاهل الموت:
نعم لماذا نهرب من الحقيقة ؟
الموت حاصل لنا جميعا لا محالة لماذا لا نفكر به ولا نستعد له.
تفكيرنا بالموت يفيدنا بمحاسبة عسى أن يصلح الله حالنا قبل الوقوف أمامه جلّ وجلاله
. {وكفى بالموت واعظا}
علينا أن نتذكر الموت وأن نستعد لتلك اللحظة قبل مجيئها. فنحن لا نعرف متى سيأتي لا نعرف زمانه ولا مكانه
فيا رب ارزقنا طول العمر على طاعتك
2_ما الفائدة من ذكر الموت
نعم لعل القائل يقول:لا تتذكروا وهذه الأشياء عيشوا حياتكم ,خاصة لمن في سنّ الشباب يقول: العمر طويل أمامك ولاحقين على التوبة ومحاسبة أنفسنا .
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :كثروا من ذكر هادم اللذات)) يعنى الموت
رواه الترمذي وقال حديث حسن
فعلينا أحبتي أن نكثر من هادم اللذات
تمتعنا بالحياة كثيرا , وأسرفنا مع أنفسنا كثيرا
وقال الخطّابي أنشدنا بعض أصحابنا المنصور بن إسماعيل قد قلت:
إِذا مَدَحوا الحَياةَ فَأَكثَروا ... في المَوتِ أَلفَ فَضيلَةٍ لا تُعرَفِ
مِنها أَمانُ لِقائِهِ بِلِقائِهِ ... وَفِراقُ كُلِّ مُعاشِرٍ لا يُنصَفِ
نحن معشر المسلمين. إذا سمعنا عن الموت نحاسب أنفسنا فيا هل ترى هل نحن مستعدين لتك اللحظة المؤلمة هل أعمالنا ترضي الله عزّ وجلمِنها أَمانُ لِقائِهِ بِلِقائِهِ ... وَفِراقُ كُلِّ مُعاشِرٍ لا يُنصَفِ
هل سنكون من أهل الجنة نعم حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
لو تذكرتَ أعمالك كلّ ما ذهبت لفراشك وحاسبت نفسك لمَ لمْ أصلي السنن اليوم ؟ا ليوم خميس فلمَ لم أصوم ؟ لماذا لم أقم ركعتين في الليل ؟ لمَ لم أتلوا جزءا يسيرا من القرآن!
يا لله لماذا ذهب كل يوم وأنا ضاحكة مع الناس لمَ مرّ يومي وأنا في الأكل والشرب وبمتاع الدنيا..
بهذه الذكريات نجدد أنفسنا كل ليلة لنكون غدا أفضل , مع ربناوعباده ..
وبهذا ستكون حياتنا أفضل وسنعيش بسعادة حقيقيّة فالسعادة الوحيدة هي القرب إلى الله عز وجل والقرب إلى طاعته والبعد عن معاصيه
فلهذا نذكر الموت كل زمانٍ ومكانٍ.. لنجدد أنفسنا ونستعد للقاء ربنا
3_ قبل الموت
يا فرحة العبد المؤمن عندما يحين أجله
فهو قد أصلح كثيرا بحياته قد أطاع الله وفعل ما أمره به وترك ما يعصيه العبد المؤمن كان مستعدا لتك اللحظة ستكون من أجمل لحظات حياته
كيف لا وهو إلى رب العالمين ماضي .وإلى جنة إلى الفردوس الأعلى إلى نعيم دائم لا هم لا غم لا تعب لا مرض .فكيف لا يفرح
وأما العبد العاصي لربه الذي غرته الدنيا وأسرف بها فيستقبل الموت بأشرّ ما يكون لأنه ليس مستعدا له يعرف تمام ماذا سيحصل به يعرف أنّ النار مصيره
وكان من عادتهم الأشقياء أن يتذكروا التوبة عند الموت ويتمنوا الرجوعَ إلى الحياة ليعملوا صالحا
فالكافر إذا أحسّ بالموت صار وجهه مسودًّا وهو كظيم..
كأنه لم يعش من الدنيا إلا القيل كأن كل ما عاشه يوما أويومين
4_ سكرات الموت وأخذُ الروح
يقول تعالى في محكم التنزيل: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن للموت سكرات رواه البخاري .
فالناس إذا يتفاوتون في ذلك،
قال صاحب روح المعاني: كل نفس تتألم بالموت.. لكن ذلك مختلف شدة وضعفا...
روي البخاري في صحيحه أن عائشة رضي اللّه عنها قالت: "إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان بين يديه علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إله إلا اللّه إن للموت لسكرات ثم نصب يديه فجعل يقول إلى الرفيق الأعلى حتى قبض.
فكما قال: النبي فإذا أتى الموت للعبد فإنه يمرّ بسكرات .
فإذا أقبل الموت على المؤمن وجاء ملك الموت
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
عن الضحاك قال: إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء فينطلق معه المقربون، ثم عرج به إلى الثانية، ثم إلى الثالثة ثم إلى الرابعة،
ثم إلى الخامسة، ثم إلى السادسة، ثم إلى السابعة حتى ينتهوا به إلى سدرة المنتهى فيقولون: ربنا عبدك فلان، وهو أعلم به، فيأتيه صك مختوم بأمانه
من العذاب فذلك قوله تعالى: ﴿كَلّا إِنَّ الأَبرارَ لَفى عِلِيّين، وَما أَدراكَ ما عِلِيّون كِتابٌ مَرقومٌ يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ﴾.
فالمؤمن تصعد روحه إلى السماء بأحسن ما يكون تستقبله ملائكة الرحمة ويبشر بأعلى الجنان
4_ما هو الموت
قال القرطبي -رحمه الله- في تعريفه: "قال العلماء: الموت ليس بعدمٍ مَحْض، ولا فناء صِرْف، وإنما هو انقطاع تعلُق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتَبَدُّل حالٍ، وانتقال من دار إلى دار"
الموت يأتي فجأة: قال القرطبي -رحمه الله-: "وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سنٌ معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم. وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك
فيا ربّ اجعلنا من أهل الجنة وارزقنا حسن الخاتمة
يا رب العالمين
هذا وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين